هل التعليم هو المسؤول عن تطوير التكنولوجيا، أم أن التكنولوجيا هي المسؤولة عن تقدم التعليم، مسألة جدلية يناقشها التربويون ولا نريد منكم أن تنشغلوا بها، نريد فقط أن نبين لكم أهمية عامل التكنولوجيا في تطوير التعليم وتحقيق أهدافه، والدور الذي ظهر واضحًا في الآونة الأخيرة للأجهزة والاتصالات والتطبيقات التعليمية في التعليم بأنواعه المختلفة، ونريد أيضًا أن نسأل: كيف نستثمر التكنولوجيا في التعليم استثمارًا صحيحًا، على مستوى المتعلمين الأفراد وأسرهم؟ كيف تستطيع – أنت المتعلم ذاتيًا أو المسؤول عن تعليم الأبناء في المنزل – أن تستخدم التكنولوجيا في تعليمك استخدامًا منظمًا يسهل عليك التعليم، وكيف نتجنب الاستخدام السلبي للتكنولوجيا التعليمية الذي يضر أكثر مما ينفع؟
في البداية نسأل: لماذا زادت أهمية التعليم القائم على التكنولوجيا في القرن الحادي والعشرين؟
يجيب التربويون: لأن التعليم القائم على التكنولوجيا يزيد من دافعية الطلاب للتعلم، وبه يكتسبون المعارف وعبره يتمكنون من صنع المعرفة وبه يشعرون بالاستقلالية في تعليمهم، وبواسطته يشاركون ما تعلموا، ويطبقون هذه المعارف لحل مشكلاتهم الواقعية، ويصبح هذا ديدنهم مدى الحياة.
ففي التعليم المدرسي يدرك المعلمون الفوائد التي تقودها هذه التكنولوجيا الجديدة. حيث يُستغنى بها عن تقاليد التدريس القديمة وتستبدل أو تستكمل بممارسات تدريس جديدة، مما يسمح للطلاب والمعلمين بأن يصبحوا مجهزين بشكل أفضل للعالم الجديد والمتصل والمتأثر بالتكنولوجيا من حولنا. ونذكر هنا مقولة رائعة لـِ جورج كوروس يقول فيها:
"لن تحل التقنية محل المعلمين العظماء، ولكن التقنية بيد المعلمين العظماء يمكن أن تحدث التحول في التعليم
وتضيف الدراسات كذلك أن التعليم القائم على التكنولوجيا يعزز فاعلية السقالات التعليمية حيث يكون المعلم في هذه التجربة أشبه بالدليل أو الموجه الذي يقدم عناصر تكنولوجية داعمة يستطيع بعدها سحب الدعم تدريجيا والتمهيد لاستقلالية المتعلم. وتشير دراسات أخرى إلى أن التعليم القائم على التكنولوجيا يسمح للطلاب باستكشاف المحتوى التعليمي المتوافق مع اهتماماتهم الخاصة ووفقًا لسرعتهم الخاصة
(de Jong & van Joolingen ، 1998)، وجعل الطلاب أنفسهم مسؤولين عن تعلمهم بدلاً من أن يكون بقيادة المعلم (Saye & Brush ، 2007)، وحتى أنه يمكن الطلاب من سد فجوة التحصيل في التعليم (Becker et al. ، 2017) بمعنى أن الطالب الذي لا يستطيع التقدم في مهارة تعليمية محددة لأنها تعتمد على مهارة أخرى سبق ودرسها في الصفوف السابقة ولم يتمكن منها بالمستوى المطلوب للبناء عليها مما شكل فجوة في تعليمه، فإن التعليم القائم على التكنولوجيا في هذه الحالة يستطيع إصلاح هذا الخلل بالعودة به للمهارة المفقودة في إطار شخصي وبعيدا عن باقي طلاب الصف الحالي ليتقنها الطالب ثم يلحق بطلاب صفه لإتقان المهارة الحالية.
كما قدمت تكنولوجيا التعليم يدًا لا تنكر لمن يعلمون أنفسهم بأنفسهم "المتعلمين ذاتيًا" ففي كتابه " كيف تطور مهاراتك عن طريق التعلم الذاتي " يقول مارتن ميدوز" أن الشخص في رحلته لتطوير نفسه تزداد حاجته لصندوق العدة أو لمجموعة من الأدوات التي تساعده على تحقيق أهدافه من التعلم ومن ثم تحقيق التطوير والنمو الذاتي. تتعدد هذه الأدوات – من وجهة نظر ميدوز – ونجد أن اكتشاف هذه الأدوات وتنظيمها يسهل الآن بواسطة التكنولوجيا التعليمية.
أدركت النظم التعليمية الرسمية (المدارس والجامعات) والنظم التعليمية غير الرسمية (منصات التعليم على الانترنت) أن التكنولوجيا المتاحة تغير من شكل التعليم فشجعت على التعليم عبر الإنترنت وعلى تبادل الخبرات التعليمية، وعلى زيادة البحث والتعامل الصحيح مع مصادر المعلومات وشجعت كذلك على التعلم الموجه ذاتيًا من خلال عدة تغييرات منها:
دور المتعلمين والمعلمين في الغرفة الصفية
حيث الطالب في نهج التعلم القائم على التكنولوجيا هو محور العملية التدريسية ويبحث ويكتشف ويستنتج ويطبق بينما يقتصر دور المعلم على الإرشاد والتوجيه. فعلى سبيل المثال يستطيع معلم الرياضيات أن يوجه الطالب إلى المحتوى المطلوب على أكاديمية خان، ثم يوجهه بعد ذلك لتدريبات على منصة كاهوت مثلا، وبعد المناقشة وتزويد الطالب بالتغذية الراجعة المطلوبة يوجهه إلى منصة ثالثة لحل اختبار عن هذا الدرس.
تغيير نظام زمان / مكان التعلم
حيث أصبحت العملية التعليمية متاحة للطالب على مدار أوقات أكثر مرونة تناسب الظروف الحياتية لمختلف الطلاب، وبفضل توفر التعليم على أجهزة محمولة كالهاتف أو الحاسوب اللوحي أصبحت التجربة التعليمية تتسم بحرية الحركة في الأماكن المختلفة الأمر الذي جعل أبنائي ذات مرة ينضمون للحصة الدراسية من خلال حاسوبهم اللوحي وهم إلى جواري في السيارة بسبب أمر طارئ دفعني لإخراجهم من مدرستهم قبل إكمال اليوم الدراسي.
ولكن ما الأدوات الرقمية التي يعتمد عليها الطلاب أو المتعلمون في التعليم الموجه ذاتيًا وهل هي توافق كل مراحل الدرس من الحصول على المعرفة واختبار فهمها والتفاعل معها ومشاركتها ثم تقييم هذه الخبرة التعليمية؟ نورد فيما يلي بعض من هذه الوسائل التكنولوجيا التي تدعم المتعلمين ذاتيًا
التعلم عبر الإنترنت
نعلم جميعًا بوجود مجموعة واسعة من الموارد الدراسية المتاحة عبر الإنترنت، توفرها منصات محترفة مشهود لها دوليًا مثل كورسيرا التي تتعاون مع جامعات عالمية عريقة مثل هارفارد وستانفورد في تقديم هذه الدورات والمساقات التعليمية، ومن المنصات العربية المشهود لها أيضًا في هذا المجال منصة إدراك التي توفر أحدث المساقات التعليمية بالتعاون مع خبراء وأكاديميين كبار في مجالاتهم، تغطي هذه الدورات المنوعة مجالات اهتماماتكم، كما يمكنهم تعلمها شخصيًا حسب ظروف يومكم وجداولكم الخاصة. وهي موارد عالية الجودة من حيث الإخراج الفني.
شبكات التعلم الاجتماعية
كما توفر التكنولوجيا الحديثة التعلم من خلال المدونات والشبكات الاجتماعية مثل Twitter, Facebook, وما إلى ذلك التعاون الذي يساعد في التعلم من خلال تكوين مجتمع بين الأشخاص أصحاب الاهتمام بتعلم موضوع مشترك في مجالٍ ما فيتبادلون في هذا المجتمع الموارد والخبرات والنصائح.
الصفوف الافتراضية ومؤتمرات الفيديو
تساعد هذه الأدوات مثل (Google classroom, Microsoft teams, Zoom) في تحويل الفصول الدراسية إلى مراكز اتصال عالمية مجانًا، حيث يمكن للطلاب التواصل مع أي شخص في مختلف أنحاء العالم لمناقشة الموضوعات التي تهمهم، ومع الخبراء أو المعلمين للتعلم منهم. كما تساعد في إنشاء دروس غير رسمية بين المتعلمين
النشر الذاتي
توفر التكنولوجيا التعليمية الحديثة النشر الذاتي للطلاب بهدف الوصول إلى جمهور يتجاوز معلمهم. يمكنهم هذا النشر من مشاركة أفكارهم مع جماهير حقيقية خارج مدارسهم. هذا ممكن من خلال المدونات أو المواقع الاجتماعية المختلفة مثل (YouTube, Twitter, wiki,) حيث إنها مجانية وسهلة الإنشاء.
التقييم الذاتي
بعد المراحل السابقة من اكتساب المعرفة ومشاركة الآخرين في تجربة التعلم ونشر صدى هذه التجارب ومشاركتها مع الآخرين يأتي دور تقييم هذا التعلم. يستطيع الطلاب تقييم أنفسهم من خلال مشاركة عملهم مع الآخرين للحصول على تعليقات للتحسين، أو ممارسة الاختبارات على موقع الإعداد للاختبار والمراجعة، هذه المواقع توفر درجة التقييم تلقائيًا وتعرض للمتعلم تصويب الأخطاء والتغذية الراجعة.
دور التكنولوجيا في تحديث المناهج واستراتيجيات التعليم
واستجابة لهذه المتغيرات الكبرى في معادلة التعليم توجهت الأطراف التعليمية لتصميم مناهج التعلم المناسبة لهذه التكنولوجيا الجديدة، فيما أساليب تعليمية تتبني مناهج التعلم القائمة على التكنولوجيا:
التعلم القائم على حل المشكلات
فبدلاً من تدريس الحقائق في الغالب بدأت ممارسات التدريس في التحرك نحو تطوير المهارات، ويشمل ذلك حل المشكلات وفهم المفاهيم الجديدة والتواصل. سواء كان التعامل معها على أنها مشكلة أو مشروع أو نهج قائم على الاستقصاء، فإن الفكرة هي التحرك نحو الاستراتيجيات المتمحورة حول الطالب والتي تهدف إلى التفكير النقدي للمشاكل. يُجهز هذا النمط من التعلم الطلاب للتفكير بشكل خلاق وإيجاد حلول للقضايا المعقدة التي ستستمر وللقضايا الجديدة التي ستظهر في المستقبل، وتضعهم مع هذه القضايا في سياق عالمي ذلك لأنها تسهل لهم التواصل والتعاون عالميًا مع من يشاركونهم هذا الاهتمام.
محتوى أنشأه الطلاب
توفر العديد من الأساليب القائمة على التكنولوجيا بشكل متزايد فرصًا للطلاب لإنشاء محتوى يمكن مشاركته داخل الفصل الدراسي وعبر المدارس وعلى منصات التعلم عبر الإنترنت، وأفضل طريقة للتأكد من أن المتعلمين يفهمون المحتوى الذي حرروه هو تعزيز هذا المحتوى من قبل المعلمين وكذلك جعل الطلاب يلخصون ما تعلموه من خلال التدريس لبعضهم البعض في مجموعة مشتركة، وعدم الاكتفاء بإعادة تدوير المعارف المكتسبة، وتشجيع الطلاب لتقديم وجهات نظر مختلفة عن هذه المعارف.
التعلم النشط
يعني التعلم النشط أن الطلاب يتعلمون من التجربة ويتعلمون من بعضهم عبر تجربة أساليب تعلم مختلفة، ودعم أفكار بعضهم البعض، والأهم من ذلك، إتاحة مساحة للتفكير والعمل بأنفسهم. وهنا يتمثل دور المعلم في أن يكون مرشدًا وموجهًا، يقدم المساعدة والدعم عند الحاجة، وأن يكون مراقبًا لأداء الطلاب ومخرجاتهم التعليمية.
تحديات التعليم القائم على التكنولوجيا
يحتاج التعليم القائم على التكنولوجيا إلى الدافع القوي لإنجاحه، فالطلاب يتعلمون بفعالية فقط عندما يكون لديهم دافع وتحفيز كبير، وتشير الأبحاث إلى أن الطلاب الذين يستخدمون المزيد من التكنولوجيا يميلون إلى الحصول على مستويات تحفيز أعلى
(Trimmel & Bachman ، 2004). ويتفق مع ذلك Tseng and Tsai (2010) فيشير إلى أن الدافع والتحفيز الذاتي يجب أن يتوفر بقوة لدى المتعلم عند الانخراط في المهام عبر الإنترنت.
من الصعوبات التي يعانيها التعليم القائم على التكنولوجيا أيضًا أن وفرة الأدوات التي قدمتها تكنولوجيا التعليم مؤخرًا قد ساعدت المعلمين والمتعلمين ولكنَّ العدد المتزايد من الأدوات والتقنيات الجديدة يبدو مربكًا للجميع أحيانًا، فالتفكير في الوسيلة المناسبة للمهمة التعليمية والاختيار من المتعدد – المبالغ في كثرته – يستنزف جهدًا ووقتًا نؤمن أن التعليم ذاته أولى به.
في الختام
نريد أن نقول أن التكنولوجيا حققت للتعليم وللمتعلمين نقلات وتحولات كبيرة في عصرنا هذا، وأن الأدوات التي أعطتها لنا تكنولوجيا التعليم أدوات هائلة الإمكانيات، كبيرة العدد والاستخدام لهذه التكنولوجيا التعليمية لابد وأن يكون مدروسًا ومنظمًا سواء من قبل المشرفين على التعليم أو من قبل المتعلمين أنفسهم لأن الاستخدام غير المنظم سيؤدي بنا إلى متاهة من الإجراءات التي تهدر الوقت والمجهود والإمكانات